منِ الأبُ في قصَّتِـنا ؟
... إن الشّيء في غير معدنه كان أغرب، وكلّما كان أغربَ، كان أبعدَ في الوهم، وكلّما كان أبعد في الوهم كان أطرفَ، وكلّما كان أطرفَ كان أعجبَ، وكلّما كان أعجبَ َكان أبدعَ...
الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر – البيان والتبيين ج1 ص90
منِ الأبُ في قصَّتِِـنا ... ؟
ضياءْ...
يا لحظةً لا تُنْسَى
يا أملاًَ واعَدَنِي
وأَخْلفَ اللِّقاءْ
يا فرحةًَََ أزِفتْ
قبلَ أنْ تكمُلَ
قَبلَ أنْ تَبدأَ
يا خاتمةً سبِقتِ الجَوهرَ
فحَوتْ ما جَمعَ
وما مَنعَ
يا منطقاً صَدَقَ بالمقدِّمة الأُولَى
كيف رَحلتَ دُون أن تُقبِّلَ منيِّ الجبينَ واليدَ
كَما كُنتَ تفعلُ أنتَ
كَما كُنتُ أفعلُ أنا
كَما كُنَّا نتبادَلُ القُبَلَ
كعجُوزيْنِ بالتُّراثِ تمسّكَا
تذكَّرْ ضياءْ ...
تذكَّرْ Pa ...
كيف كنتَ تلعَب مَعي دوْرَ الأبِ
كما لم يفعلْ أحدٌ قبلكَ أبدَا
تذكَّرْ لُعبَةَ الأب والفتَى
كنتُ إذا قبّلتُ مِنكَ الجبينَ
تقولُ: يُعطيكَ الرّضَا
كلَّ الرّضَا
تذكَّرْ ضياءْ
تذكَّرْ بَسمتكَ
عقدا فريدا
زمرّدةً جاوَرت عسجدة
تذكَّرْ عينَكَ تكسُوني حُبَّا
يلُفُّنِي مِنْ كُلِّ حَدبٍِِ
مِنْ كُلِّ صَوْبٍ
ويبقََى منها ما يَكفِي
عَرَبًا
وعَجَمًا
وبَرْبرَا
تذكَّرْ لُعبتَـنا
هَلاّ نلعب تِلكَ اللُّعبةَ كَرّةً أُخرَى
يا ليْتَ لي كَرّةً أُخرَى
كيف وِصَالُك وأنت هُناك
وأنا هنا ؟
حدِّثْـني Pa
حدِّثْـني عَنك
وعَن أمِّ الـهَناءْ
وهلْ عرفتَها مِن أوّلِ لِقاءْ
وهل تَخدِمك كَما كانتْ تَفعَل
مَعك
مَعنا
مع الغُربَاءْ
حدّثْـني Pa
عنْ كُلِّ شَـيءٍ
عنْ شوقٍ يَحرقُ القلبَ
والكبدَ
والأمعاءَْ
ويطحن رمادَه طحنَا
ويذرفهُ في الهواءْ
ليشتّت شملَه دهْرَا
حدِّثنِي Pa
عن شربِك
عن أكْلك
عن لِبسِك
عن فرشِك
وكمْ لك من لحافٍ
وكم لديكَ من غطاءْ
ومن يتعهّدْكَ في صَحوِك
وفي نومك ؟
ومن يُعدّل وضعَ وسادتِك فجرَا
ومن يُسلّيك
إذا اليومُ أشبَهَ آخرَ؟
ومن يُوقِظك باكرَا ؟
لتحفظَ عن إدريس وحيناَ
وهل جوّدتَ له شيئا ممّا علّمتك ؟
حدِّثني Pa
وأطلْ ما استطعتَ حديثَا
وأطنبْ كما تشاءْ
وكرّر ما وسعت تكرارا
فالبلاغةُ ذاتُ حياءْ
وتقبَل الإطنابَ جميلاَ
تكرُّما منها
لأجلِكَ
لأجليَ
لأجلنا
حدّثتي Pa
حدّثني عن جِدّك
عن لهوِك
وما تفعَل بَعيدًا عَنّي
صُبحًا ومَساءْ ؟
وعنْ جَنّةٍ لا أراها هُنا
وما فيها من رياضٍ
وزهورٍ
وأنهارٍ جارِيهْ
وعن حلقاتِ الأنبياءْ
وعن مجالسِ الشّهداءْ
حدِّثني ضياءْ
يا قلبَ أبيهِ
يا خَسَارتهُ العُـظْمَى
يا وحشتَه
يا عُزلته
يا وحْدته القاتِله
معَ مَنْ ألعَب لُعبتِـي الأُخْرَى ؟
ألا زلتَ تَذكُرها ضِياءْ ؟
أحزُرْ برضَايَ عنكَ
عفوًا Pa
بِرضاكَ عنِّي
ما أجملَ لُعبةََ الأبِ والفَتَى
لُعبةٌ لَـم يحذِقْها غَيرُنا
أَتذكُر يومَ كُنتُ أقولُ
فِي خُلوةٍ
أو معَ الأهْلِ
مَنْ رُوحي ؟
فتُجيبُني سَريعًا
نَا ... نا
بلا همزٍ
يطولُ دهرًا لوْ حُقّقَ
تسبقُ الكُلَّ
كتلميذٍ يتعالـمُ وقتَ الابتِلاءْ
كَجُنديٍّ في الطّابورِ استَوَى
مَنْ عَقلي أنا ؟
فتقولُ أنا
وتنْبري عَينُكَ جَاحِظَه
تُؤَازِرُ القولَ
وتُقوِّسُ حَاجِبكَ الزِّنجيَ عاليَا
مُتفحِّمًا
أسودَ
كمنْ يَعجَب للسُّؤالِ
أو يُقرِّر بَداهة ًأُخرَى
كمَنْ سُئل عنِ الشّمسِ
وَقْتَ ضُحَى
فأطرب لبلاغةِ الخالقِ في نصّكَ
وأزيد
مَنْ عُمري أنا ؟
فتقُول أنا
وتَضرِبُ بكفِّ اليدِ
صَدْركَ الصَّغيرَ في ثقةٍ
كمَنْ تطوَّع للفِداءْ
كمَنْ يُخاطِب أخْرس
مَنْ سِرّي أنا ؟
فتقولُ أنا
وتَبتسِم ماكرَا
كمَنْ يُخفِي سرًّا قاتِلا
وأقولُ من عُمرِي أنا ؟
فتقُول أنا ...
وتفرُك شعر لِحيَتي
تعدُّ شيبَه عجبَا
أقولُ مَنْ حُبّـي أنا ؟
فتُجيبُ مُمتعِضَا
وتحرِّك الرّأسَ موافقاَ
كمَنْ لا يعرفُ الحبَّ إلا للنِّساءْ
كمن عُرِّفَ المُحرّمَ
قبل أن يبلغَ
وتَزيد منَ المكرِ
فترفعُ البصرَ
والرأس مطأطئا
تفحصُ السُّؤالَ
والسَّائلَ
و مَنْ حولَه قدْ تحلَّقَ
فأقيكَ الحرجَ
وأسْال مرّةًً أخرَى
مَنْ أنا ؟
فتجيبُ ضَجرًا
أنا ... أنا
وتُظهر العَجبَ
كمَنْ يَسأل عَن ذَاته
تاهَت عَنه لحينٍ
ولمْ يُفارِق مِنها جَوْهرًا
أو عرَضَا
لعبةٌُُ تُعيدُني إلى ذَاتي
كأنْ لم تكنْ قبلكَ
ولم تكنْ قبلكَ
أبدَا
مَنْ يحذقْ هذا غيرَك ؟
مَنْ يحذقْ هذا بربّك غيرنا ؟
ألسنا حقّا استثناءْ
كيف الجِدُّ ؟
كيف اللّعبُ بعدك أيا ضياء ْ؟
لطفا Pa
أسمعُ من وَرائي نِداءْ
عمّتي الكُبرَى تُنادي
كَفى...
كفى صُراخًا
كفَى ما هَذا البُكاء ؟
أمْ تُراك تُنازِع ربَّنا ؟
ألا يُضحِك بربّك هذا ضياءْ
هي لا تعرفُ حُبّنا
هي لا تعرفُ عِشقنا
هي لا تعرِف سِرّنا
هي لا تعرفُ جِدّنا
هي لا تعرف لَـهْونا
هِي لا تعرفُنا
هي لا تعرفُ لقِطعةِ النّقدِ إلاَّ
صُورتَها البادِيهْ
وتنسَى أنَّـها بالْوجَهين معًا
تروجُ بَيننَا
ولا تَدري أنّك القِطعةُ الغاليهْ
وأنّك الوجهُ
وأنّني القَفا
وما ينفعُ وجهُُ بِلا قَفا
اعذُرها ضياءْ
واعذُرني عن جَلسةٍ
لستَ كبيرَها
ولستَ صغيرَها
ولستَ مدَارَها
ولستَ حديثَها
ولستُ مُديرها
فأنتُ حَدِيثيَ وحْدِي
وأنتَ مَددُ عَيني
وأنتَ جوازُ الإقامةِ هُنا
عَمَّر ختمُه عامًا خامِسَا
وزادَ شَهرَا
وأنّك وتَدُ خَيمتي
هوَى
فانهارتْ معه
كالبرجين لحظةَ ضُربَا.