مَن قال إنّ البُـكاء
خصلةُ النّساء ؟
عيناي سجام ولم يخمدا
ودمع سخي عصي جرى
وأثلم قلبي رحيل ضياء
وقد ضاق فؤادي وكم زفر
صالح بن بلقاسم الصالحي
الشرائع- سبيطلة
مَن قال إنّ البكاء خصلةُ النّساء ؟
ضياءِْ...
يا صديقي الأوفىَ
يا عينِي التِي بِها أرَى
يا رجلي الّتِي بِها أسعى
يا من كانتْ لي فيك مآربُ أخرى
من يسقنِي بعدَك الدّواءْ ؟
من يأتنِي كلّ ليلةٍ بالعِشاءْ ؟
من قبل أن يطفئ النّورَ؟
يدُسّ تَحت كتِفي
لـحافًا
وغطاءْ
من يوقظنِي كلّ صباحٍ ؟
من يأتنِي بقهوةٍ وماءْ ؟
من ينتظر نِهاية وجبَتِي
ليقول مبتسمَا
بالعافيةِ والهناءْ ؟
من يصدّنِي عن شرابٍ حلوٍ؟
ويذكّرنِي بلطفِ الأبِ
أنّه داءْ
من يستحثّنِي على المشيِ
ويقولُ إنّه الدّواءْ
فلا تنسَ
من إذا شكوتُه مرارة الفمِ
عاجَلني بقُبلةٍ
أحلى منْ عسلٍ مُصفّى
من يسابق أخاكَ في البحرِ
ويجد حَكَما مُحتالاً مِثْـلِيَ
فأقف محايدًا قبل السّباقِ
ثُمّ أسرعُ له الخطَى
حتّى يصلَ لك مُعادلاَ
وكنتَ تحتجّ عجِبًا
ضاحكَا
وتضع على الجبين السبَّابة
كمن يدوِّن خبرَا
لا ينسى أبدا
وتقول في دلعٍِ
Aman pa
من يُبادلُه اللُّـعَبَ؟
من يُشارِكه اللَّعِب ؟
من يُصارعه كل ليلةٍ ؟
حتّى إذا علا الصّراخُ
دخلتُ الغرفةَ غاضبَا
فأجدكما مُمدّدين كالموتَى
كأصحابِ الكهفِ وقد سكَنا
فإذا غادرتُ
عدتُما إلى الضّحك والصّراخِ
ولا أميّز فيكما
مَن صَـرَع ؟
مَن صُـرِع ؟
وفي الصّباح لاَ أجِد مُتظلّمَا
أو كدمةً أحقّق فِي علّتها
وكيف أقضي بينكُما
ولا تَصلني دعوَى ؟
من ينصُر أخاك
مظلومًـا أو ظالماَ
من يَكون حليفَه
إذا الصّبية أعلنُوا الحربَ ؟
من يشرحْ له الدّرسَ
مرّة بعدَ ألف
ثُمّ يعود للشّرح مرّةً أخرى
ثُمّ ينفخُ ضجراَ
Pa
هذا لا يَفهم أبدَا ؟
وصدّقتَ أنّك المعلّم ؟
وأنّك تحُسن الشّرحَ
ضياءْْ ...
أيا ضياء ْ...
بَعدَك البيتُ اتّسعَ
واكتسحته برودةٌ صيفًَا
فكيف في الشِّتاء ْ؟
بَعدك العيدُ بلا حلوَى
وقطيعُ الخِرفان فـنىَ
والبحر يموج شتاءً
فإذا حلّ الصيّفُ جفَّ
أو لعلّه تبخَّر
أسفًا علَى غزالٍ
مَا عاوَدَ سبْحَا
بعدك ملَّ أخوك اللُّعَبَ
حشاها في خزانةٍ
وإذا زاره طفلٌ
كدّسها أمامه واحدةً بعد أخرَى
وقال وفي القول فخرٌ لا يخفىَ
هذه لُعب ضياءْْ
كنتُ شريكه الرّسمِـيَّ فيها
قالها صادقًا وما في قوله رياءْ
Pa من يُواسي أمَّك
إذا قسا عليها الزّمنُ ؟
وقد قسا
أو إذا نُبْتُه
في القسوة نيابةً مُثلَى
ولم تجد بعدك سندَا
أو عضُداَ
أو مُحامياَ
أو واعظَا
يعلمها أنّ السُّكري
إذا هاج وأزبدَ
يُصْمتُ في حضرته
ثوانِـيَ فيهدأْ
بعدَها
كجمرٍ صُبَّ عليه ماءْ
من يجفّف دمع قلب أمّك الثّكلى؟
ينـزف في صمتٍ
كمن خشيَ بطشاَ
لستُ أرى من عينها
سوى سوادٍ عشقتُه يومَا
وأطلتُ فيه مدحَا
فصار شِعارها وقبلتهَا
من يحضُنها بعدكَ؟
من يحمل إليها الأملَ؟
من يُواسيها؟
من يُسمعها جملتك الفصحَى ؟
عفوًا ma
أمّك الثّكلى ما نستـك أبدا
ولكنّها ما بكتك جهرَا
كما تفعل نسوةٌ في عصرنا
تبكي الواحدة منهنّ وقتًا
وتُمزّق الثّـوبَ
وتجرح خدّاَ
وتنثر ترابا
وتولول عاليا
ثُـمّ بعد مُدّةٍ وجيزة تنسَى
وتعود للزّينةِ وتحتفل بالدُّنيا
وتقتنِي من الصّيدلي طلاءْ
يُغطّي الخدوشَ
ويزيد الخدَّ لمعا
ويعطي لحركات الإعراب معنى
كفاجرٍ تاب ثُـمّ زنى
ثُـمّ تاب ثُـمّ زنـى
أمّك استثناء
أمّك ليستْ ككلّ النّساءْ
أمّك من طينة بلقيس
أو الخنساءْ
أمّك تداوي الجرحَ
بقرآن تتلُوه فجرَا
بِخمارٍ أسودَ
غطّى منها الرّأسَ والقدم
وما بينهُما
أمّك تحبس الدّمعَ بقوّةٍ
كأنّ في عينيْها فرَامِل
"ألف
وباء
وساءْ"
كأنّها في الصّبرِ
روح دَاوودَ تسْري في النِّساءْ
كأنّها في القُنوتِ
تلميذة أبِ إسحاق لـمّا دعا
رَبِّ إِنِّـي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَـتِي...
وقد أسكنّاك مقبرَة الغرباءْ
كأنّها في صدقِ البتولِ
ناداها منْ تَحتِها
مُواسيا
مُسلّيا
وما سَمعت نداءً
أو مُناديَـا
كأنّها فِي الأوْبِ صاحب الدُّعاءْ
"رَبِّ لاَ تذرْنِـي فَرْدَا"
فأعطاها ربُّك صبرَا
أو لعلّه قد ناقلَ بيننا
فصرت أبكي بلا سببٍ
فتأتِنِي مُروّحَة
مُحدّثَـة
تبادلنا المواقعَ
أمُّك تُقلّد يونس بن متىَّ
صاحب الحوتِ
دخل الطامّةَ الكبرَى
ثـمّ خرج منها مُسبِّحَا
أمّك كأمّ شهيدٍ
زغردت له قبل أن يستشهدَ
عوض أن تبكيَ
أمّك نذرتك لله طاهرَا
قبل أن تولدَ
وما أحدٌ نذرَ الكبدَ
إلا جدّنا
وأمّ مريمَ
وأمّ هارونَ وموسَى
أمُّك pa
جمعت صبر كلّ النِّساءْ
أخفته عن سلاطيننَا
لو علموه لانتزعوه منها
ووزّعوه على النّاس لكفى
وما أزهر الرّبيع العربيّ أبداَ
هناك أو هنا
أمّك لو وَزّعت صبرَها
لأسكتَ كلّ الثّكلى
وبقي ما يكفي الرّجال الصُّـفْرَ
ومن كان لهم مُجاورَا
أمّك تاجُك يوم الحشْرِ
كما كانتْ فخرَكَ وفخرِيَ
أمّك
لو كان في سائر النِّساء
حِلمُها
وطُهرها
وبِرّها
لكُنَّ بالقِوامةِ أولى
Pa أمّك عنوانك
وهويّتك الرّاقية
حتّى إذا ما أتاك النّداء
"ضياء بن دلنده"
اقفزْ أمام الكلّ
ولا تنتظر حتّى يتكرّر النّداء
وصح "لبّيك ربنا"
نعم الأمّ في الآخرة والأولى
وقبِّل جبينها صادقا
وقل ربّ اغفرْ لها
ولها
ولها
ولأبي بعدها
فالبرُّ زينتك هناك
كما كان تامًّا هنا.